كان كثير شاعراً كبيراً يطاول في عظمته جرير والأخطل والفرزدق . وبينما كان يرعى
غنمه ذات يوم إذ مر بمجموعة من النسوة
فأرسلن إليه فتاة صغيرة لتطلب منه أن
يبعهن كبشا، ويأتمنهن على ثمنه حتى الغد . وبينما هم على هذه الحال من النقاش، إذ نظر كثير إلى الفتاة الصغيرة فسحرته عيناها، ومن أجل خاطرها قبل الصفقة، وأعطاها الكبش ثم مضى في طريقه . وعند عودته التقى كثير بالنسوة، فأرسلن إليه ثمن الكبش مع إحداهن . فراح يسألهن عن الصبية التى جاءته في المرة السابقة وعرف اسمها، عزة . وصار يتغنى بها . والغريب أنها ملكت عليه فؤاده منذ ذلك الحين، فلم يكف قلبه عن الركض كلما ذكرها . ويبدو أنه كان حباً من النظرة الأولى . وكما يحدث لكل العشاق، فكر كثير في الاقتران بحبيبة القلب، ولكن المحظور كان قد وقع .. لقد وصل أمر تشببه بها إلى أهلها، فرفضوا، على عادة العرب أن يزوجوه منها، فقد كان ذكر اسم المحبوبة في الشعر اهانة لها ولأهلها، وفضيحة يصعب تداركها . ولكنه بالطبع لم يقصد التشهير بها ، بل كان مدفوعاً بحب لايقاوم . أما عزة فقد أحبته كثيراً، ورضيت أن تلتقى به سراً . وكان كثيراً ما يروي قصص لقاءاتهما في أشعاره، وأكثر من ذلك حتى أن البعض تشكك في صحة حكاياته عنها، وتشكك آخرون في إخلاصه لعزة . ومما رواه كثير، ويشبه الاعتراف، أنه سار ذات يوم خلف امرأة منقبة تميل في مشيتها، وظل يطاردها ويطالبها أن تتوقف وتتحدث معه وتعرفه بنفسها . فقالت المرأة المنقبة : ويحك ..هل تركت عزة فيك بقية لأحد ؟ فأجاب كثير : بأبي أنت، والله لو إن عزة أمة لي لوهبتها لك .عندئذ أسفرت المرأة عن وجهها، وكانت المفاجأة المذهلة : إنها هي عزة بدمها ولحمها . ويقول كثيراً لخلانه إنه ندم أشد الندم وراح ينشد
ألا ليتنى قبل الذي قلت شيب لي عن السم خضخاض بماء الذراحأقسمت ولم تعلم على خـيانة وكمطالب للريح ليس برابح