د.حسن نعيم إبراهيم المدير العام
عدد المساهمات : 401 تاريخ التسجيل : 28/04/2016 العمر : 68
| موضوع: أطفال السبت مايو 14, 2016 7:53 am | |
|
أطفال للكاتب الروسي ( انطون تشيكوف ) ترجمة : يوسف الرفاعي الأب والأم والخالة نادية ليسوا في البيت . لقد ذهبوا جميعهم إلى حفلة في يقيمها ذلك الضابط العجوز الذي اعتاد الصغار أن يروه يتريض على حصانه الرمادي . انتظاراً لعودتهم إلى المنزل ، كان الصغار "جريشا" و "آنيا" و "إليوشا" و " سونيا" وابن الطباخة "أندريه" يجلسون إلى مائدة في غرفة الطعام يلعبون الـ " لوتو"
وللحقيقة كان الوقت هو وقت النوم ، ولكن كيف يمكن للواحد أن يذهب للنوم دون أن يسمع قصة من قصص ماما الممتعة ، ثم ماذا سيأكلون وقد حل موعد وجبة العشاء ؟ المصباح الزيتي يتدلى قرب سطح الطاولة ، مزيناً بالكريستالات والخرز البراق . كرتان من كروت اللعب استقرا أمام كل لاعب من اللاعبين الصغار . في منتصف المنضدة استقر طبق أبيض اللون وضعوا به فيش اللعب ، وبجوار الطبق استقرت حبة من التفاح نصف مأكولة وزوج من المقصات . الأطفال الصغار كانوا منهمكين في اللعب كانت القاعدة تنص على أن من يغش يحرم من اللعب فوراً . لم يكن في غرفة الطعام سوى اللاعبون الصغار . أما الطباخة الآنسة "أجافيا إيفانوفا" فقد بقيت في المطبخ تعد لهم الحلوى . بينما كان كبيرهم "إيفاسيا" الذي هو في الصف الخامس الإبتدائي مستلقياً على الأريكة في المرسم يشعر بالملل . علامات الإثارة كانت بادية على وجه "جريشا" ، صبي في التاسعة من عمره ، بشعر منمق ولكن محلوق بشكل غريب بحيث يبدو جلد رأسه من خلاله ، بخدين مستديرين ، وشفتين غليظتين مثل الزنوج . و"جريشا" تلميذ في المرحلة الابتدائية ، ولذلك يعتبر كبيراً بين إخوته ، هو عادة لا يلعب إلا من خلال المال ، وإذا لم يكن هناك حافز قوي يبقيه يقظاً لكان قد ذهب إلى الفراش منذ وقت طويل . يمكنك أن تلحظ في عينيه البنِّيتين نظرات حادة وغيرة من ورق إخوته المميز . يمكنك أن تلحظ في عينيه قلقه من إمكانية أن لا يفوز ، ولو أنه لم يفز فلن يمكنه أن يجلس هادئاً أو أن يَكُفَّ قله عن العمل . وإن ربح تراه يقفز فرحاً وتلمع عيناه ببريق غريب شقيقته "آنيا" صبية في الثامنة من عمرها ، بذقن مدبب ، وعينين ماهرتين ولامعتين ، إنها مثله تخشى أن يفوز غيرها ، ولذلك ترى الحمرة تملأ وجهها فجأة ثم يعلوها الشحوب من آن لآخر ، ترمق اللاعبين بنظرات متوقدة ، وفوزها في اللعب هو بالنسبة لها تحدٍ لا يستهان به . أما "سونيا" فهي طفلة لم تتجاوز السادسة ، شعرها مجدول على هيئة ضفيرة كثيفة لا يمكنك أن تراها إلا لدى الأطفال الأصحاء . لها خدان مثل البونبون . هي تلعب اللوتو فقط من أجل التسلية ، ينتشر النمش فوق بشرتها البيضاء . عندما تفوز ، تضحك وتصفق بكفيها الصغيرين . و"إليوشا" طفل صغير ، يعاني من صعوبات في التنفس من أنفه حيث يبدو وكأنه مصاب باللحمية ، كان يحملق يعينيه الكبيرين بينما يشاركهم في اللعب . نظراته حادة لكن قلبه الصغير ينبض بالحب . إنه ليس هنا من أجل لعب اللوتو ، ولكن من أجل الاستمتاع بسوء الفهم الذي يحدث عادة في هذه اللعبة . يشعر بسعادة غامرة لو رأى أحدهم يضرب الآخر أو ينعته بوصف لا يليق . وعلى الرغم من أنه يحب الجري ولا يهدأ في مكان أبداً ، إلا أنه عندما يجلس إلى الطاولة للعب الـ "لوتو" ، فإنه لا يفكر مطلقاً في مغادرة طاولة اللعب ، خشية أن يسرقوا أوراقه أو يبدلوها ، وحتى لو اضطر لمغادرة الطاولة فإن "آنيا" تغطي بكِّفها أوراقه حتى يعود . أما اللاعب الخامس "أندريه" ، ابن الطاهية ، فهو صبي ذو بشرة داكنة وملابس قطنية ، يعلق في عنقه صليباً يتدلى على صدره . كان يجلس ساكناً بلا حراك ، لا يهتم بالفوز ، أو التفوق على الآخرين . لأنه لم يكن متحمساً للعبة المليئة بالأرقام والحسابات ، وهو ما كان يعبر عنه دائماً بسؤاله لنفسه : كم من الأعداد يوجد في هذا العالم ؟ وكيف يمكن أن لا تجعل كل هذه الأعداد تختلط ببعضها ؟ وبينما يصرخ الجميع بالأرقام التي يريدونها ويصرحون بها ، فإن "سونيا" و إليوشا فقط لا يقعان في هذا الخطأ . فقد ابتكرا تسميات مضحكة أو غريبة للأرقام ، فمثلاً رقم سبعة يطلقان عليه تسمية"البدين" ورقم سبعة وسبعين يسميانه "سيمون سيمونيتش" ورقم 90 يطلقون عليه اسم "الجد" وهكذا . مما يجعل اللعبة صعبة على باقي اللاعبين ويصرخ جريشا : "اثنان وثلاثون" ويشير بإصبعه إلى رسم أصفر على هيئة اسطوانة مرسوم على قبعة والده . ويصرخ بعد قليل : "سبعة عشر ، البدين ، ثمانٍ وعشرون ، لتكن مباشراً ..." . ويعود جريشا يصرخ : "ثلاث وعشرون!" ويواصل : "سيمون سيمونيتش ! تسعة" . وفجأة تصرخ "سونيا" : "الخنفساء ، الخنفساء" وتشير إلى خنفساء حقيقية تعبر الطاولة "آيي" . فيحذرها "إليوشا" بصوت ثابت : "لا تقتليها ، ربما كانت طفلة طيبة" . وتظل "سونيا" تتابع بعينيها الخنفساء السوداء وتتساءل في نفسها : ترى هل لهذه الخنفساء أطفال ؟ وكيف سيكون حجمهم ؟ ويعود "جريشا" يصرخ : "ثلاث وأربعون ! واحد" ويستطرد "ستة" يقولها بسرعة ولكن بقلق من الخسارة حيث عرضت "آنيا" أربع ورقات من فئة اثنين . لكن "سونيا" تصرخ فرحة : "جيم ، ربحت الجيم" وتبتسم وهي تحملق فيهم ! وواعياً لمسؤولياته كفتى يافعٍ يقرر "جريشا" في داخله : إنها اللعبة التي يحبونها ، ليواصلوا اللعب إذاً . وتلفت "آنيا" الأنظار حين تقول : "رأيت بالأمس شيئاً" تتحدث وكأنها رأت شبحاً : "فليب فليبيتش قلب بالأمس جفنيه من الداخل إلى الخارج بطريقة ما لم أعرف كيف فعلها فبدت عيناه حمراوين بشكل مخيف كما لو كان روحاً شريرة" . ويؤمِّن جريشا على قولها : "أنا أيضاً رأيت ذلك" ثم يستطرد طالباً رقم ثمانية ويحكي وهو منهمك في اللعب : "لدينا في المدرسة صبي يمكنه أن يحرك أذنيه " ويواصل : "سبع وعشرون" . وينظر "أندريه" إلى "جريشا" بتركيز ويقول : "أنا أيضاً يمكنني تحريك أُذنيّ" فيرد عليه : "حسناً ، حركهما" . ويحرك "أندريه" عينيه وشفتيه وأصابع يديه وكذا أذنيه بشكل مضحك ، فيضحك الجميع وتعلق "سونيا" فتقول : "إنه شخص مخيف ذلك الـ فليب فلبيتش" وتستطرد : "لقد دخل علينا فليب أمس حجرة تغيير الملابس ولم يكن عليَّ سوى قميص النوم وشعرت بخجل شديد وغضب حين رأيته" . ويصرخ "جريشا" فجأة " جيم ، ربحت الجيم" .. ويخطف بيمناه عدداً من الأفياش من الطبق ، ويستطرد : "ربحت الجيم ، يمكنكم أن تروا ذلك إذا أحببتم" . فينظر "أندريه" ابن الطباخة بحسرة ويشحب لونه : "إذاً لا داعي لإكمال اللعب" . ويسأله "جريشا" مستغرباً : ولم لا ؟ ، فيقول : "لأني ليس معي مزيداً من النقود" . فيرد جريشا : "لا يمكنك أن تلعب بدون مال !" . ويُقَلِّبُ "أندريه" جيوبه ليتأكد للمرة الأخيرة ، فلا يجد بها أي نقود . فيمط شفتيه بحسرة بل ويكاد يبكي . ويبدو أن حالته حركت مشاعر سونيا فقالت : "سأدفع عنك ، وما عليك أن تسددها إلا عندما تربح" . وتضع عنه فيشة فيستأنف الجميع اللعب . وتصرخ "آنيا" فجأة وهي تفتح عينيها على أقسى اتساع : "لقد سمعت صوت جرس يدق" . ويتوقف الجميع عن اللعب ويفغرون أفواههم وهم يحملقون في النافذة المظلمة . وتلوح في عينيها خيالات بتأثير من ضوء المصباح الزيتي مع التفاتتها . فيجيب "أندريه" : "إنها أجراس الكاتدرائية ، لم أسمعها تدق منذ فترة" . وتسأل آنيا" : "ولأي شيء هم يدقون الأجراس؟" . فيجيبها "أندريه" : "ليخيفوا اللصوص فلا يقتحمون الكنيسة ، اللصوص يخشون أصوات الأجراس" . وتتساءل "سونيا" : "ولأي شيء يدلف اللصوص إلى الكنيسة؟ " . فيجيبها : "الكل يعرف ، ليقتلوا المراقب" . وتمضي دقيقة يلفها الصمت . يتبادل فيها الجميع النظرات ، ثم يستأنفون اللعب ، ويفوز "أندريه" في هذه الجولة فيصرخ "إليوشا" بسرعة وهو يشيح بوجهه : "لقد غشكم" . فيتساءل "أندريه" غاضباً : "يا لها من كذبة ! لم أغش" . ويبدو الشحوب ظاهراً على وجه "أندريه" بينما ترتعش شفتاه ، ثم يصفع "إليوشا" على رأسه . ويركب الجنون "إليوشا" فيقفز من مقعده ويضع ركبته فوق الطاولة ، فيصفع "أندريه" على خدِّه ، ثم يشتبكان ويعلو الصراخ ، وينتاب "سونيا" شعور طاغٍ بالخوف ، فتبكي ، وتنقلب الأوضاع في غرفة الطعام رأساً على عقب ، ولكن لم تكن هذه نهاية اللعبة . فلم يمض أكثر من خمس دقائق حتى عاد الضحك يملأ المكان ، واستأنفوا حديثهم مرة أخرى . صحيح أن آثار المعركة التي نشبت منذ وقت قليل بدت واضحة على الوجوه ، إلا أن ذلك لم يمنعهم من الضحك والابتسام . يعبر "إيفاسيا" ، الطالب في الصف الخامس الابتدائي ، غرفة الطعام بتكاسل وقد امتلأت عيناه بآثار النوم والاندهاش من تلك الأصوات التي عمت المكان قبل قليل . ويعلق متسائلاً : "ما كل هذه الفوضى؟" وينظر إلى "جريشا" الذي كان منهمكاً يعد أفياشه ، ويتساءل : "أليست هذه فوضى؟ كيف يعطون الأطفال نقوداً ؟ وكيف يدعونهم وحدهم يلعبون ألعاباً تعتمد على الحظ ؟ يا لها من طريقة لتربية النشء ، إنها فوضى " . لكن اللعب مع الأطفال شيء مسلي ، لدرجة أنه فكر في الاشتراك معهم وتجربة حظه . قال لهم : "انتظروا ، سأشترك معكم في اللعبة" . فيقول له "جراشيا" : "أبرز أفياشك" . فيقول : "امهلني دقيقة!" ويفتش في جيوبه فلا يجد شيئاً : "ليس معي نقود ، ولكن على أية حال هذا روبيل واحد ، سأبدأ بروبيل" . فيجيبه "جراشيا" : "لا لا لا .. لابد أن تضع فيشة" . فيجيبه بحدة : "أنت غبي ! قيمة الروبيل تعدل في الواقع عدة أفياش" . حاول التوضيح لهم واستطرد : "على أي حال من يفوز يعطيني الفرق" . فيرد عليه "جراشيا" : "لا .. لو سمحت غادرنا" . يهز "إيفاسيا" كتفيه غير عابيء ، ويذهب إلى المطبخ ليحصل من الطاهية على أفياش مقابل الروبيل . ولكن يتضح له أنه لا يوجد بالمطبخ أفياش للعب يعود "إيفاسيا" إلى "جراشيا" قائلاً : "في هذه الحالة يمكنك أن تحتفظ ببقية الروبيل" ويستطرد محملقاً في عينيّ "جراشيا" : سأدفع لك الروبيل في لقاء بعض الأفياش ، ما رأيك؟ خد الروبيل ، واعطني عشر أفياش للعب . ويرمق جريشا إيفاسيا , وملء عينيه الشكوك ، متسائلاً في داخله عن ما إذا كانت خدعة . ولكنه لا يبدو مطمئناً لعرض "إيفاسيا" ويجيبه : "لن أعطيك أية أفياش" وبسرعة يحتضن أفياشه . فيغضب لذلك "إيفاسيا" كثيراً ويوزع السباب على الجميع ناعتاً إياهم بالغباء والحمق . فتعرض "سونيا" عليه عرضاً : "سأحل مشكلتك يا إيفاسيا!" وتشير إليه : "إجلس" . فيجلس إيفاسيا ، فتمرر إليه كرتين ، فيما تبدأ "آنيا" بعَدِّ الأرقام . ويعلن "جريشا" فجأة : "لقد سقطت إحدى الفيش خاصتي" ويصرخ : "انتظروا". ويحمل المصباح الزيتي وينزل قرب الطاولة يفتش عن فيشته التي سقطت . وبذل "جريشا" كل ما يستطيع ليجدها حتى لقد اصطدمت رأسه بعنف بحافة الطاولة ، لكنه لم يعثر عليها . وعادوا يحملقون في بعضهم البعض لفترة حتى اضطر "إيفاسيا" إلى انتزاع المصباح الزيتي من يد "جريشا" ووضعه على الطاولة . وبقي "جريشا" يبحث دون يأس في الظلام ، وأخيراً عثر على فيشته الضائعة . وعاد الجميع ينتظمون على مقاعدهم ويرتبون أوراقهم ، واستأنفوا اللعب . ويهتف "إليوشا" بصوت خافت : " لقد نامت سنويا" . كانت "سونيا" تستقر برأسها فوق ذراعيها المتشابكين على الطاولة ، يتصاعد بين الحين والحين منها شخير خافت ، بقيت في مكانها نائمة لساعة على الأقل . لقد نامت رغم أنفها ، ربما من شدة الإرهاق . بينما كان الآخرون لازالوا يقظين يبحثون عن الأفياش وتربت "آنيا" على ظهر "سونيا" وتهمس ي أذنها : "هيا ، تعال لتستريحي في فراش ماما" . ثم تصطحبها في حنان بعيداً عن الطاولة وهي تهمس : "هيا ، تعالي" . كان الجميع يرقبهما بصمت ، وسرعان ما هرعوا الواحد تلو الآخر إلى فراش الأم ، ألقوا بأنفسهم عليه دون اكتراث حتى لقد أصبح منظر فراش الأم يستحق أن يُرى . رقد "إليوشا" إلى جوار سونيا , بينما رقد "جريشا" و "آنيا" بشكل عشوائي ، رأس هذا عند أقدام ذاك أما ابن الطاهية "أندريه" فقد تردد في النوم على الفراش معهم ، لكنه على أي حال نام على مقربة منهم ، وبجوارهم ، نامت أفياش اللعب ، التي فقدت قوتها في غياب اللاعبين ، وبقيت تنتظر حتى المرة القادمة ، و ... تصبحون على خير
| |
|