د.حسن نعيم إبراهيم المدير العام
عدد المساهمات : 401 تاريخ التسجيل : 28/04/2016 العمر : 68
| موضوع: ملاحظات عن الظلام السبت مايو 14, 2016 8:02 am | |
| ملاحظات عن الظلام للكاتبة الدنماركية ( اولا ريوم ) كان العجوز لايزال يتحرك . رأت هي كيف إنحنى الرجل الشاب مرة أخرى وضربه بقوّة . جَمُدَ العجوز الآن . هو فاقد الوعي أو ميت . إعتدلت قامة الرجل الشاب . كان الفزع قد سيطرعليها إلا أنها رأت كيف سحب الشاب ساقه إلى الوراء ورفس العجوز المتمدد كانت الرفسات تضيع في الجسم المضروب في الشارع . صارت ممصوصة ، والجسد تمدد مرة أخرى على الرصيف كالسابق . ربماهو ميت . لم يتحرك ولم يشعر بالضربات وعددها . كان جسده متمدداً في الشارع . ترك الرجل الشاب الآخر الملقى وإختفى هناك عند ركن الشارع الجانبي . إستغربت من أنه لم يركض بل مضى بخطوات سريعة كأن شيئاً لم يكن . لا أحد . ولاحتى هي . ببساطة حدث ذلك صدفة وإنتهى صدفة . إنتبهت الآن إلى أضواء السيارات والتي تنبعث من أسفل الشارع ، وأن الملقى مسّه الوضوح فجأة . لا أثر للدماء . والسائق غيّر أضواء سيارته مرات عدة ، فقد إنتبه إلى أن شيئا ما قد حدث ، وتوقف أمام المتمدد ثم خرج من السيارة . إنحنى على العجوز . بدا عاجزاً حين جال ببصره حواليه . في الشارع كان الناس مسرعين وبعدها بقليل كان هناك حشد حول المتمدد . لقد فارق الحياة . بقيت هي في النافذة تشاهد الأحداث في الشارع . وفي كل مرة حين حجب أحدهم العجوزعن بصرها كانت تشعر بموجة من ألم أصّم تجتاحها . كما لو أنها كانت مهجورة ولم يسمحوا لها بأن تموت . لكنه مات . بعد قليل ظهر البوليس وسيارة الإسعاف ، وعاد الهدوء تدريجياً ولأن الموت هو عاقبة العنف . وعندما أخذت سيارة الإسعاف العجوز جاء ذلك السائق مع بضعة رجال من البوليس إلى الرصيف . إنحنوا له مودعين . وبعدها ببضع دقائق عبر المكان أناس جدد تماماً . مجرد عابرين بالصدفة . أرادت أن تفتح النافذة وتصرخ بهم ، تسألهم إلى أين هم مسرعون . وما عذبها أنهم لم يتوقفوا . وقفت هناك للحظات ونظرت إلى العابرين الذين يجتازون المكان الذي كان ملقى فيه العجوز ، وبعدها أرتدت معطفها وهرعت إلى الشارع . كانت مرغمة على أن تطرد الفراغ هناك وأن على أحدهم الوقوف هنا من جديد . بحثت عن آثار . لكنها لم تعثر على أي شيء . ولا على بقع دم . كل شيء أخذ ينمحي . إقتربت بضع سيارات حين كانت واقفة على الرصيف . نظرت إلى السيارات التي أخذت تبتعد إلى أن إختفت والآن لم يبق شيء آخر غير ذكرياتها التي أخذت ترتسم كما لو أنها تبحث عن مكان فيها . غمرها شعور باطني ، ولم تعرف كنهه ، بأن شيئاً قد حدث ، شيئاً خطيراً ، وعليها أن تتذكره ، شيئاً حاسماً عليها أن تعود إليه في يوم ما وإذا كان عليها أن تواصل الحياة من دون أن تخون نفسها . وقفت هناك قليلاً وعبرت بضع سيارات ، ومرّ أمامها عابر ما ثم عادت إلى البيت . لم تستطع الهرب من منظر تلك الهيئة المتمددة التي ليست الآن هناك . كانت الصورة الباقية ناقصة : الحركات التي كانت قد جمدت ، صارت تنتشر متأرجحة فوق جسد العجوز . كانت تمسكه وتضغطه إلى الأرض . كانت موقنة بأنه أراد أن يقول شيئاً ، أن يوضح لها الموقف كله فيما لو كانت قادرة على طرد تلك الحركات إلا أنها فضلت أن لا تسمع أيّ شيْ . لم ترد أن تفهم ما حدث . فهذا شأن كف عن أن يثير إهتمامها . هكذا كانت الحال دائماً . فحياتها تألفت من سلسلة غير مقطوعة من الأوضاع التي تطالبها بأن تعترف بها ، بأن تصنعها بكيانها وجسدها ، بأن تخلقها للآخرين ، وأرادت هذه أن تقبل تجسّدها الجديد أو أن تحيط الجميع بالموقف ، بشيء شبيه بحلقة سحرية ، بذلك الخط الطباشيري الذي رسمه الصبي من تلك الحكاية حول نفسه ولم تقدر الأرواح الشريرة على أن تجتازه . بالرغم من ذلك لم تخلق هي موقفاً أبداً ، لم تجرؤ على أن تقطع مجرى الأحداث ، أن توقفه ، أن تغيّر إتجاهه . لقد إبتلعت هي تماماً مثلما إمتص ذلك الجسد الميت الرفسات . كانت هي تتورط دائماً في وضع وتختفي حين يحملها هو . لقد نمّى هذا الأمر فيها قابلية للفهم غير إعتيادية . عرفت بأنها تنتمي إلى أولئك المتوقعين الذين يفهمون الأشياء قبل أن يلمسونها بوقت طويل ، وفي لحظات الحساب أسمت نفسها بالمتفرج ، المتفرج المعّلق والفاهم الذي هو مرغم لهذا السبب على أن يقوم بدور شاهد يقدّم التأريخ ويوضح الأحداث . والآن قضت هي بضعة أيام للإيضاح : لماذا راح العجوز ضحية عنف الرجل الشاب . وغارت أكثر فأكثر في حاضرها . خيّل لها أن العجوز قد أبعدها عن نفسها . أما هو فوقف أمامها كعاقبة فارغة بصورة غير مسّرة ، ميتة ، ويحول بينها والمضي إلى الأمام . لم يسمح لها بتجاوز نفسها ، لم يسمح لها بأن يعينها أيّ شيء ، كي تحيط بالوضع ، لقد أراد أن يرغمها على أن تتدخل في الوقت المناسب ، أن تمنع أمراً سبق له أن حدث . إلا أنها لم تقدر . عانت ، شعرت بأن شيئاً غريباً وغير متوقع يسحقها . وبمعزل عن درجة فهمها كانت تفتقد دائماً جزيئة ما تكمل الموقف ، وحينها بدأت تعي بأنه كان يفتقد المحيط . كلا بالأحرى يفتقد قبولها لدور مفسّر الأحداث ، لدور المشاهد الغامض والذي ليس هو أبداً المشارك أوالمسبّب . لقد كانت معروفة ومحبوبة . لكن لا أحد كان يعلم بأنها شاهدت مجرى ما حصل كله لقد رأت كل شيء من النافذة . وكان بإمكانها أن تتخيل ما سيحصل . لقد عذبها شيء آخر أيضاً : منذ اللحظة التي وقف فيها الإثنان كانت تعرف أيّ شيء سيحدث . وبعدها بوقت قصير حدث ما حدث . أكيد أن كل ذلك كان من الممكن أن لا يحدث ، خاصة أن لا أحد كان يعرف بحضورها ، و لم يكن على كل ذلك أن يحدث تحت بصرها . قد يكون حلماً مثلاً . أحد الأحلام التي تتذكرها من فترة شبابها وحين أنقذت أحدهم من عسف معيب . في تلك الأحلام كان الإنسان يسيطر بسهولة على الموقف ويوجّه العالم صوب السكك القديمة ، أما هو فقد كان يتمتع بكامل الثقة ، كان مقبولاً لدى الجميع ، مدهشاً ومحبوباً . وكان إحترام النفس والأفعال قد حرر في المحيط الشعور بالأمن والحب المتبادل . سعلت ووقفت أمام النافذة ونظرت إلى الشارع . شعرت بفظاعة البرد إلا أنه كان برداً داخلياً . وكان له مفعوله البطيء . إقتربت تلك اللحظة نفسها التي أنطرح فيها في الصباح السابق ميتاً . نظرت إلى ذلك المكان في الشارع وكانت تفقده في كل مرة حين يعبر أحدهم هناك . والضوء الشتائي الرمادي أشاع ، بكسل ، التعب في الشارع ، وفي الأعلى قليلاً ، في اليسار ، على السطوح كانت النغمات الأكثر وضوحاً قد إمتزجت بالبريق الأخير لمصابيح النيون . خيل لها أن الشمس في الشتاء تتحول إلى إنعكاس ضوئي للأعلانات النيونية ، وترغم النهار كي ينهض ويعثر تدريجياً سنة بعد سنة ، على نفسه في شمس الشتاء الذهبية الرمادية المليئة بظلمة مبكرة لليل والوهن . إشتاقت إلى الضوء والدفء . حلمت وأطلقت سعلة قصيرة ، لم تقدرعلى تجنب حالات رجوع الأفكار التي كانت تتيه عاجزة في مكان ما من الماضي . لم يكن جسم العجوز ملقى على الأرض الآن ويضيئه قليلاً مصباح الشارع . والرجل الشاب لم يرفع يديه كي يضرب ، لم يحرّك إلى الوراء ساقه اليسرى كي يرفس . لقد أبحرت إلى الشاطيء سوية مع الرجل الذي عشقته . كان رجلاً في مطلع الشباب بل مازال طفلاً مع العلامات الأولى للشعر فوق الشفة العليا وفي الوجنتين . لقد نضج . إقترب بقاربه منها . وكانت جالسة تنتظر بيد ممدودة هي على إستعداد كي تعينه في الخروج من القارب . ووصلاً إلى مياه ضحلة وفاترة . نهضت ووقفت على الرمل . وكان هو ينتظر على مبعدة ومعه أبوه . أخذ الأب أمتعتها وإنتظروا الآن سوية . كانوا جائعين . رجل ما حجب عن عينيها المشهد ، والصورة أصبحت ذات شفافية أقل فأقل ، الشارع إنحشر في العين ، والرجل رافقها للحظة واحدة ، وبعدها أفترقا . إستدارت كي تهز رأسها موّدعة إلا أنه إختفى كانت تعلم بأنه لم يهز رأسه ولم يتابعها بنظراته كي يعيش الوداع مرة أخرى . عادت إلى البيت . جاءت من دون أن تكترث للمكان الذي كان العجوز ممدداً فيه . هذا شيء قد ولى . تحررت هي ولا أحد رأى وداعهما . وكانت وحيدة ثانية ، وفهمت ذلك لكنها كانت خائفة . أحدهم عرف كم كانت هي وحيدة . ولا أحد رأى كيف حصل ذلك . كان الجميع يتحدثون عن العجوز . رأت متى حصل ذلك . سمحت بحدوثه . ولما كان لا أحد يتصورذلك ، لم يكن هناك أيّ أحد . إذن بالرغم من أن النيات كانت الأطيب لم تستطع هي قبولها . عرفت بذلك وملأ الخوف نفسها . ولكانت الشكوك تتسرب إلى نفوسهم لوعرفوا كل شيء . والحلم لا يمكن أن ينتهي ، وهي لن تفيق منه . وهم لم يعثروا عليها . لا أحد قد رأى الحادث
| |
|