د.حسن نعيم إبراهيم المدير العام
عدد المساهمات : 401 تاريخ التسجيل : 28/04/2016 العمر : 68
| موضوع: الملك مرداس السبت مايو 14, 2016 10:06 am | |
|
| الملك مرداس للكاتب البولندي ( ستان سلاف ليم ) أرتقى العرش بعد الملك الصالح هلكساندر إبنه مرداس . وهذا أمر أقلق الجميع . فمرداس كان طموحاً وخائفاً أيضاً . عزم على أن يلحق بإسمه لقب العظيم . وكانت خشيته كبيرة من تيارات الهواء والأقرباء والأرواح والشمع فالمرء قد يكسر رجله على أرضية مطلية بالشمع . أما الأقرباء فيضايقون المرء في الحكم . وأكثر ما كان يخشاه هو النبوءات . وعندما نصّب على العرش أمر بغلق الأبواب والنوافذ وتحطيم صناديق التنبؤ ، أما مخترعو الماكينة التي تطرد الأرواح فقد منحهم الأوسمة الرفيعة والرواتب الكبيرة . في الواقع كانت الماكينة جيّدة . فمرداس لم ير أبداً أي روح . كذلك لم يخرج الى الحديقة خوفاً من الريح . كان يتنزه في القصر الذي كان كبيراً للغاية . وفي أحد الأيام قادته النزهة في أروقة القصر وأجنحته إلى قسم قديم لم يكن قد رآه من قبل . في البدء إكتشف صالة وقف فيها حرس جدّّ جدّ جدّه . كان حرساً أدير زنبركه ويعود الى تلك الأزمان التي لم يكن قد عرف فيها الكهرباء . في صالة أخرى شاهد فرساناً يعملون على البخار . كانوا صدئين أيضاً . إلا أن ذلك لم يثر إهتمامه . كان على وشك العودة حين إنتبه إلى باب صغير كتب عليه (ممنوع الدخول) . كان الباب مغطى بطبقة كثيفة من الغبار . ولم يكن في نية مرداس حتى لمسه لو لم تكن هناك تلك الكتابة . فقد أثارت غضبه . كيف يمنعوه وهو الملك ؟ كيف يجرؤون على منعه عن أمر ؟ فتح الباب بدون صعوبة. وعن طريق سلالم حلزونية وصل الى برج مهجور رأى فيه صندوقاً نحاسياً قديماً مطعماً بالياقوت وذا غطاء بقفل صغير . أدرك أنه صندوق تنبؤ . غضب ثانية . فالصندوق بقي في القصر رغم أوامره . إلا أنه طرأت على ذهنه فكرة أن يجرّب ولو مرة واحدة كيف يبدو الأمر حين يتنبأ الصندوق . وهكذا إقترب منه على أطراف أصابعه وأدار المفتاح . وعندما لم يحدث شيء ضرب بيده الغطاء تنهّد الصندوق وشخر ثم أحدثت آلته صريراً ونظرت العين الياقوتية إلى الملك كأنها أصيبت بالحول ، وذكرّه ذلك بالنظرة الشحرورية لعمّه سيناندر الذي كان يبدو مريباً . فكَّر أن عمّه أمر بوضع الصندوق في هذا المكان لكي يغيظه ، وإذا لم يكن الأمر بهذه الصورة لماذا أصاب الحول هذا الصندوق ؟ تسرب العجب الى نفسه بينما أخذ الصندوق وهويئن يعزف لحناً قاتماً كما لو أن أحدهم طرق بفأس هنا وهناك غطاء قبر من معدن . بعدها خرجت من الغطاء ورقة سوداء عليها سطور مصفرة كالعظام القديمة . ولقد ذعر الملك تماماً إلا أنه لم يعرف السيطرة على فضوله . إختطف الورقة وركض الى جناحه في القصر . عندما إختلى بنفسه أخرج الورقة من جيبه ، وحدث نفسه هامساً : لأنظر بعين واحدة ، من باب التأكد . إذن قرر وفعل . على الورقة كان مكتوباً : دقت الساعة ، حصد أرواح الأهل ، الأخ أخيه أو عمته ، وإبن الخال إبن الخال ، القدر يغلي ، يأتي إبن الأخ ، النقرس يفترس الصهر والجلاد قريب منه ، القريب البعيد يعبر السور و بعده الثاني والثالث والحشد كله ، يذهبون الى الحرب ، أوه ، ستكون دغدغدة ، تأتي الحفيدة ويأتي أب الزوج ، انا أريك كيف تدفنهم ، إقطع اليسرى و خز اليمنى ، فهنا العمّ وهناك الخال وليكن زوج الأم من هو قادر ، وفي رأس إبنها سيكون شرخ ، يستلقي زوج الإبنة ، خمسة قبور ، يسقط أب الزوجة ، ستة قبور ، أنشوطة للجدّ ، أنشوطة للجدّة ، أنشوطة للعمّ ، هكذا ينبغي ، فالأقرباء ولو أنهم حزانى ، مأمونو الجانب تحت الأرض ، دقت الساعة ، الأهل الحشرات ، التسلق على ظهر من أختير ، إدفنه وفق الأصول وإختف أنت في كل مكان ، إن لم تختف قبلهم في الحلم فهم سيدفنوك أصاب الذعر الملك مرداس ، وأظلمت الدنيا في عينيه وندم على الطيش الذي دفعه الى إدارة صندوق التنبؤ ، إلا أن وقت الندم فات . ورأى أن ساعة العمل قد أزفت كي لا يحدث الأسوأ . لم يكن يشك بمغزى النبوءة . فقد إرتاب من وقت بعيد بأن الأقرباء خطرون عليه . والحق يقال إن ما حدث لم يكن معروفاً بهذه الدقة التي نرويه بها . على أي حال جاءت أحداث محزنة بل فظيعة . أمر الملك بقطع رؤوس أفراد العائلة كلهم ماعدا رأس العم سيناندر الذي إستطاع أن يهرب في اللحظة الأخيرة متنكراً كبيانو ميكانيكي قديم . الا أنه أخفق وسرعان ما قبضوا عليه ووضعوا رأسه تحت فأس الجلاد . وهذه المرة إستطاع مرداس أن يوّقع على الحكم بالموت بضمير مطمئن . فقد قبض على العم متلبساً بجريمة التآمر على العرش . أما الملك الذي أصابه اليتم فجأة ، فقد إرتدى ملابس الحداد . لكن هذا الحداد الملكي الرائق لم يستمر طويلاً . فقد خطر ببال مرداس أن يكون هناك أقارب آخرون لم يسمع بهم . فكل واحد من رعيته يمكن أن يكون أحد الأقارب البعيدين . ومن وقت الى أخر قطع رأس هذا ورأس ذاك إلا أن قطع الرؤوس لم يدخل الطمأنينة إلى نفسه. فالمرء لايمكن أن يكون ملكاً من دون رعية . وكيف يمكن إفناء الجميع ؟ لقد أصبح مرتاباً إلى حد أنه أصدر أمراً بخياطته الى العرش كي لايقدر أي أحد على إزاحته عنه . كان ينام وعلى رأسه طربوش مدّرع . وطيلة الوقت كان يفكر بما ينبغي عمله . في الأخير قام بأمرخارق لدرجة أنه لم يكن من صنعه . ويقال إن تاجراً متجولاً همس به في أذن الملك . وكانت الأقوال متضاربة هنا . قيل إن حراس القصر شاهدوا شبحاً مقنعاً أدخله الملك إلى جناحه ليلاً . لكننا نكتفي بهذا القدر من الأقاويل . دعا الملك في أحد الأيام جميع البنائين البلاطيين وصناع الفرسان الكهربائيين وضابطي الآلات وغيرهم . أخبرهم أن عليهم أن يضاعفوا حجمه كي يتجاوز الأفاق كلها . وقد نفذت الأوامر بسرعة مدهشة ، فالملك عيّن الجلاد ذا الخدمات الكثيرة مديراً لمكتب التصاميم . وبدأ عدد كبير من الصناع والبناة بنقل الأسلاك والمعدات الى القصر . وعندما ملأ الملك المكبّر القصر كله لكي يكون في الواجهة والأقبية والطوابق جاء دور الأبنية المجاورة . وبعدها بعامين إحتل مرداس بحجمه الخرافي وسط المدينة . وكانت البيوت هناك عادية لاتصلح لسكن فكر الملك فيها . هكذا سوّيت بالأرض وبنيت مكانها قصور ألكترونية سميّت بمقوّيات مرداس أخذ الملك ينمو ببطء ويصبح كثير الطوابق موصولاً بدقة و تقوّيه محطات فرعية ، وفي النهاية صار العاصمة كلها . غير أنه لم يتوقف عند حدودها . كذلك فمزاجه إعتدل . لم يكن هناك أقارب ولم يخش الشمع إذ لم يكن بحاجة إلى القيام و لو بخطوة واحدة طالما أنه كان ، في الوقت نفسه ، في كل مكان (الدولة انا) لم يقلها إعتباطاً . فالعاصمة لم يسكن فيها أي أحد عدا مرداس الذي إحتل بصفوف كهربائية ، البنايات والساحات والممرات . لم يكن عداه غير مزيلي الغبار الملكي ومستخدمي البارود من الحرس الملكي . كانوا يسهرون على التفكير الملكي الذي سال من مبنى الى آخر، وطاف رضا الملك مرداس أميالاً في المدينة كلها حتى أنه نجح في كسب العظمة دنيوياً وبكل معنى الكلمة ، والأكثر من ذلك ، الإختباء في كل مكان وكما جاء في النبوءة ، ذلك أنه كان حاضراً في كل مكان ، في الدولة كلها . كان المنظر زاهياً . عند الغروب حين غمز الملك ، العملاق بالأضواء ، التأملات وكأنها وهج من نيران وبعدها ينطفيء ببطء غاطاً في نوم يستحقه . إلا أن هذا الظلام ، ظلام النسيان في الساعات الأولى في الليل فسح المكان لإلتماعات متقطعة هنا وهناك . هذا الأمر أخذ يقض مضجع الملك . وبدأت الأشباح تتدفق مثل إنهيارات الثلج الجبلي العاصفة ، عبر المباني التي أخذت في الظلمة تشتعل نوافذها ، والشوارع كلها أخذت تشتعل بالأحمر تارة والبنفسجي تارة أخرى . ومزيلو الغبار الذين كانوا يتنقلون على الأرصفة الخالية وهم يشمون رائحة إحتراق كابلات صاحب الجلالة يسترقون النظر الى النوافذ . كانوا يهمسون : أوهو ، أكيد أن كابوساً ينهك مرداس ، دعاؤنا أن لاتنزل صاعقته على رؤوسنا . وبعد يوم مليء بالعمل ، فكر الملك في إحدى الليالي بأنواع جديدة من الأوسمة التي يزمع منحها لنفسه . وفكر بأن عمّه سيناندر وصل خلسة الى العاصمة تحت جنح الظلام وهو يرتدي لباساً أسود ويطوف الشوارع بحثاً عن انصار ومؤيدين في مؤامرة كريهة ، ومن الأقبية ظهرت صفوف من الناس المقنعين . كان عددهم كبيراً . وأبدوا مثل هذه الشهوة في إغتيال الملك لدرجة أن مرداس إرتعش وافاق من رعبه الطاغي كان الفجر قد بزغ ، والشمس ذَهَّبت الغيوم البيض الصغيرة في السماء . هكذا قال لنفسه : حلم .. شبح . وبعدها أخذ يعمل في التصميم التالي للأوسمة . أما تلك الأوسمة التي إبتكرها في اليوم السابق فقد علقوها على الشرفات والسطوح . وعندما أوى الى الفراش بعد تعب النهار كله وأغمض عينيه رأى مؤامرة قتل الملك في كل نضجها . وحصل هذا الأمر على الصورة التالية : حين إستيقظ مرداس من النوم المتآمر لم يكن قد إستيقظ كله . فوسط المدينة الذي يرتع فيه الحلم المعادي للدولة لم يستقيظ بعد ، بل مازل مستلقياً في أحضان الحلم الكابوسية إلا أن الملك لم يفقه المسألة في يقظته . وآنذاك كان الجزء الأكبر منه أي الوسط القديم للمدينة والذي يدرك أن العمّ الآثم ومؤامراته وتحركاته هي مجرد هذيان نوم وأوهام ، يغط في كابوسه الجنوني . في الليلة الثانية رأى مرداس في النوم العمّ يتلصص بصورة محمومة ويحرّض الأقرباء . كانوا قد ظهروا كلهم ومفاصلهم الميتة تحدث صريراً حتى أن أولئك الذين تنقصهم أهم الاجزاء رفعوا السيوف ضد الحاكم الشرعي ، وكانت الحركة غير عادية وزرافات المقنعين تردد همساً هتافات التمرد ، وفي الأقبية خاطوا الرايات السود ، وفي كل مكان كان السمّ يغلي و الفؤوس تشحذ ، وأعدّت المنشورات السموم ، وجرى الإستعداد للإنتقام النهائي من مرداس المقيت . أصاب الملك الذعر الى حد فظيع . إستيقظ مرتعش الجسد وأراد أن يدعو الباب العالي للفم الملكي وجميع جيوشه كي تعينه وترفع المتمردين على أسنة الحراب ، لكنه أدرك عدم جدوى الأمر. فالجيوش لاتدخل نومه ولايمكنها أن تقمع المؤامرة التي كانت تنضج هناك . خلال فترة من الوقت حاول بقواه الخاصة أن يوقظ هذه الأميال المريعة الأربعة من أناه والتي كانت تواصل الحلم بالمؤامرة . ولكن هيهات . في الأخير لم يعرف ، والحق يقال ، أن ذلك كان عبثاً أم لا . فحين شعر بيقظته لم يلحظ المؤامرة التي كانت تظهر حين يدركه النوم . وفي يقظته لم يجد له منفذاً الى المناطق المتمردة . لايمكن النفاذ الى هناك إلا بحلم آخر . ووجد الملك أنه من الأفضل أن يغفو ويملك حلماً مناوئاً ليس بالعادي بل ملكياً موال له وبرفقة الرايات الخفاقة ، حلماً تاجياً متحلقاً حول العرش قادراً على أن يزيل بالبارود الكابوس المتمرد بدا مرداس العمل . الا أنه لم يغفو من شدة الرعب . بدأ يعدّ الحصى . ساعده العدّ وغفا أخيراً . تبين حينها أن الحلم بالعمّ الذي يقود الآخرين لم يتحصن فقط في الأحياء المركزية بل أخذ ينتشر في مخازن العتاد المليئة بالقنابل الضخمة والألغام المفتتة . بذل مرداس جهده إلا أنه لم يستطع أن يحلم بأكثر من فصيل واحد من الفرسان حتى أنه ليس لأغراض القمع وكل سلاحه أغطية القدور . فكر : لاحيلة لي في الأمر . لم أفلح . ينبغي البدء من جديد . هكذا أخذ يتهيأ الى اليقظة . غير أن الأمر لم يكن سهلاً . وفي الأخير إستيقظ تماماً . إنتابته حينها الريبة بشكل فظيع ، فهل هو عاد إلى اليقظة أم أنه يوجد في حلم آخر ليس هو إلا مظهراً زائفاً لليقظة ؟ ما العمل في مثل هذا الوضع الغامض ؟ أن تحلم أو لا تحلم ؟ تلك هي القضية . ولنقل إنه سوف لن يحلم الآن . سيشعر بالطمانينة . ففي اليقظة لاتوجد أي مؤامرة . سوف لن تكون الحال سيئة : حينها سيحلم بالحلم قاتل الملك إلى النهاية وعندها ستستعيد الجلالة تجانسها المطلوب . جيّد جداً . وإذا لم يحلم بحلم مناويء ويوهم نفسه أنه موجود في يقظة هادئة بينما هذه اليقظة المزعومة هي حلم آخر حقاً يجاور حلم العمّ وقد يؤدي الى الكارثة . وفي كل لحظة قد تغادر شرذمة قاتلي الملك الملعونين وعلى رأسها سيناندر الكريه ، ذلك الحلم وتقتحم هذا الحلم متظاهرة بأنها يقظة لكي تحرمه من العرش والحياة . وفكر : أكيد سيحصل هذا الشيء في الحلم لكن إذا إنتشرت المؤامرة في كل الذات الملكية وعاثت فيها من الجبال الى المحيطات ، وإذا لم يرد أبداً أن يستيقظ فماذا سيحصل آنذاك؟ سأكون إلى الأبد مفصولاً عن اليقظة ، والعم سيفعل بي ما يشاء . سيعذبني ويهينني . والأكثر من ذلك هناك العمّات . أنا اتذكرهن جيداً ، لا ، سوف لن يغفرن في جميع الأحوال . هكذا هنّ ، بالأحرى هنّ إذاً ما زلن في هذا الحلم الفظيع . وفي الأخير ما الفائدة من الكلام عن الحلم . الحلم موجود حيث توجد اليقظة التي لايمكن العودة إليها لكن في أي مكان لاتوجد ،وكيف أقدر على العودة إذا إستطاعوا إبقائي في الحلم ؟ وفي المكان الذي لايوجد فيه أي شيء عدا الحلم يكون هو الواقع الوحيد أي أنه اليقظة . فظاعة . كل شيء ، وهو أمر مفهوم ، سببه الإفراط في الشخصية وهذا التوّسع الروحي . كأنني كنت بحاجة الى كل هذا وفي دوامة يأسه ، رأى أن الجمود قد يضيعه . وأدرك أن الإنقاذ الوحيد في الإستنفار النفسي الفوري . وخاطب نفسه : من الضروري أن اتصرف كما لو أنني في الحلم . ينبغي أن أحلم بحشود الرعية التي يملؤها الحب والحماس . أن أحلم بمتطوعين للعمل مخلصين الى النهاية يموتون وهم يلهجون بإسمي ، أن أحلم بكثير من السلاح . ومن الأجدى أن يخترع سلاح ما رائع خاصة أن كل شيء ممكن في الحلم ، وليكن وسيلة دفاع لخدع الأقرباء أو مدفعاً ضد العمّ أو أي شيء من هذا القبيل . فبهذه الطريقة سأكون مستعداً امام كل مؤامرة ، و إذا ظهرت المؤامرة بمكر وغدر من حلم إلى آخر فسأهشمها بضربة واحدة . زفر الملك مرداس بجميع طرق ذاته وساحاتها ، ولكم كان ذلك معقداً . وبدأ العمل أي النوم . وفي الحلم كان على الرؤوساء الفولاذيين أن يقفوا على شكل مربعات وفي المقدمة الجنرالات المتقدمون في السن ثم الجموع الهاتفة وسط قرع الطبول . لكن بدل ذلك ظهرت صوملة صغيرة . لاشيء عدا هذه الصوملة العادية تماماً وذات الحواف التالفة . والآن ماذا سأفعل بها ؟ أخذ يقلب الأمر من كل الجهات ونما فيه قلق معيّن أخذ يكبر ومعه غثيان وهلع حتى برقت في رأسه الفكرة : الصوملة تعني الجثة . إرتعش كله . إذن هي رمز السقوط والتفسخ والموت . وشرذمة الأقرباء تسعى متلصصة عبر قنوات حفرت في الحلم كي تصل الى هذا الحلم . إذاً بدأ خطر النهاية ، الموت ، الفناء ، لكن من أين ؟ وكيف ؟ ومن أي الجهات ؟ وإلتمعت عشرة آلاف من المباني الشخصية وإهتزت المحطات الفرعية للجلالة المعلقة عليها الأوسمة والمحزومة بالأشرطة ، وهذه النياشين كانت ترنّ في هواء الليل كالأجراس ومرداس يعاني ويعاني من الرمز الحلمي للسقوط في الأخير تمالك النفس كأن شيئاً لم يحدث . أخذ يعاين المسألة : أين هو ؟ في اليقظة أم في كوابيس أخرى ؟ وإذا كان في اليقظة فأين اليقين ؟ وفي الأخير قد يكون الحلم بالعمّ قد إنتهى وبه نهاية الهموم . إلا أن المعضلة ما زالت هي : أين اليقين ؟ لامخرج إلا باللجوء إلى "الأحلام الجواسيس" التي تتظاهر بأنها إنقلابيون وتتغلغل في شخصه ودولة ذاته . لكن هيهات للملك الروح أن يعرف الطمانينة . فالمؤامرة تقف بالمرصاد دائماً ، ستنام في زاوية مجهولة من شخصه الهائل . إذن لنواصل ، ربما تتبرعم الأحلام بخضوع الرعية ، بالوفود والجحافل التي تنيرها روح سيادة القانون والهجوم بالأحلام على الظلمات والجحور وزوايا الذات كي لايختفي هناك أي عمل غادر ، أيّ عمّ ولو للحظة واحدة . غمر قلبه بشكل ما خفق الرايات ولم يكن هناك أي أثر للعم والأقرباء أيضاً . ولم يكن يحيطه سوى الإخلاص والإمتنان وآيات التبجيل بدون إنقطاع . كان يسمع ضرب الميداليات الذهبية والشرارات التي تشتعل تحت الأزاميل التي ينحت بها الفنانون تماثيله . سرّت نفسه حين رأى الأعلام المطرّزة والسجاجيد في النوافذ والمدافع مهيّأة للإطلاق والأبواق النحاسية التي إلتصقت بها أفواه النافخين . الا أنه حين أمعن النظر إكتشف أن الأمر ليس على ما يرام تماماً . التماثيل ، نعم ، ولكنها لاتشبههه كثيراً ، ففي إكفهرارالوجه والنظرة الشحرورية شيء من العمّ . الرايات ضاجة ، هذا صحيح ، لكن هناك شريطاً صغيراً مبهماً . إنه أسود تماماً . وإذا لم يكن أسود فهو متسخ وفي كل الأحوال قليلاً . ما هو الأمر؟ أهو غمز ولمز؟ رباه ، هذه السجاجيد بدون فروة . إنها صلعاء . والعمّ أصلع ، هذا غير ممكن ، إلى الوراء إستدر ! العودة ! إستيقظ ! اليقظة ، نفير الإيقاظ ، أغربوا عن هذا الحلم ! أراد أن يزعق إلا أنه حين إختفت هذه الأشياء لم تصلح الحال . فقد تخلص من حلم كي يقع في شراك حلم آخر ، كان يحلم ، بدوره ، بالحلم السابق وهذا بالذي سبقه ، وهكذا كان الحلم الجديد الجذر المكعّب. كل شيء إنقلب في داخله الى خيانة سافرة ، الرايات الملكية صارت سوداء والأوسمة كانت ذات لوالب كأنها أعناق مقطوعة ، ومن الأبواق لم تنطلق أي موسيقى للقتال بل ضحكة العمّ كرعد يذبحه شرّ ذبحة . وصاح الملك بصوت يعادل مائة ناقوس ، بالجيش كله كي يوقظه : أقرصوني ! وطالب بصوت مريع : اليقظة!! اليقظة !! لكن هيهات . فقد تضاعفت الأحلام فيه كالكلاب . كانت تتراكض فيه كالجرذان . ومرت متلصصة عدوى الكابوس في المباني المذعورة من نفسها ، وكان يخرج منه مائة ألف من الأقرباء المطالبين بالعرش رغم أن الجميع لم يعرفوا : هل هم كائنات حالمة أم هي موضع الحلم ومن يحلم وبمن ولماذا وماهي النتيجة ، الا أنهم جميعاً بلا إستثناء يتربصون بمرداس كي يقطع رأسه ، كي يخلع عن العرش ، كي يشنق في برج الأجراس ، كي يقتل مرة ويبعث مرتين . وهم لم يفعلوا أي شيء ولأنهم لم يتفقوا على أمر واحد : من أين البدء ؟ بهذه الصورة تبعثرت الأفكار الملكية المهولة ، ثم سقط مرداس في مائة ألف حلم لارابط بينها غير الحريق . وإحترق مرداس طويلاً |
| |
|