صناعة الرأي, والإعلام!
هناك وعلى مرِّ العهودِ, حلقاتٌ مفقودةٍ في كل سلسلة ذات صلة بحياتنا كأمة إسلاميةٍ, وعربية.
لا لشيء قدّريِّ حتمي, بل الأشياء المُكتسبة لا تحصى...
فلكي أعبِّر عن نفسي كإنسان, من المنطق والأمانة ألا ألبسَ غير ثوبي وأتباهى به, وألا أدّعيَّ غير جوهري, وأضاهي به...
هذه مسلماتٌ لا يختلف على رسوخها عاقل يحترم ذاته ابداً.
فالمصداقية هي أقصر الطرُق للوصول إلى الغايات المنشودة, إذ من خلالها لا أراني غيري, فيتضح نقصي, ويبدو خللي, ويتجلى ما بي من خير وإيجابية, فأنطلق على سلبياتي بهمة الغيور الطموح المؤمن...
وأعضُّ على إيجابيي بالنواجذ, لأضيف عليها ماء شاء الله لي أن أضيف...
فكيف بي وأنا على شفير هاوية, وأدّعي السلامة, وأنا في أتون صراع مصيري, ولا أرصد موقعي, ولا أستطيع رصد موقع عدوي في الميدان؟!
كيف بي وقد تالقت لغاتُ الكون تعلمني, وطبول النفير تُصَحِّيني, وعِبَرُ الدُّنيا ترشُدني...
وأنا مازلت أنا, ذلك الغوغائي, الذي أدمنتْه الفوضى, واستحكم به الكِبْرُ, وألهم شراعه الهوى, فلا نطقْتُ بحكمة, ولا تصرفت بصواب, ولا وصلت إلى شاطئ الأمان.
اليوم وما أحراني وأنا في صراع وجودٍ مع أحقر وأحط عصابة عرفتها البشرية في العصر الحديث...والقديم.
ما أحراني بألسنة الحكمة, وألمعية الوعْي, ووحدة الهدف والغاية!
فأنا ما زلت( وما أنا إلا من غزيةَ إن غوتْ..غويْتُ وإن ترشُدْ غزيةُ أرشُدِ)...
الله الله.. كم تخطاني الزمنُ وأنا مازلتُ على تشبُّثي بثوابتي التي أرِمَ زمانُها, وعافتْها كلُّ طبائع البشر...
تصور يا أنا...
كم بلغ الإعلام الصُّهيونيُّ من مبلغ حتى يحكمَ به على عروش أمريكا, وأوروبا, وروسيا, وكثير من عالمنا البائس...!
(الآي باك): أكبرُ منظمة صهيونية في أمريكا, تُحشِّد كل عام في اجتماعها, كافَّة القوى المحبة للسامية, المحتقرة للإسلام وأهله...!
وعلى كل رئيس أمريكي أن يحج إلى المبكى... ويبكي...
حتى يبيض صهيونُ فأله في البيت الأبيض...
وها هو نِتنْ ياهو رئيسُ وزراء الكيان الصهيوني...يُرغم أعضاءَ الكنغرس الأمريكي على تسعٍ وعشرين مرةً وقوفاً وتصفيقا, وهتافا لخلود(إسرائيل)...أثناء كلمته فيهم التي لا تتعدى الساعة...من الزمن!
هكذا إعلامهم, جعل إسلامنا في فم التنين, وجعل المسلمين ناره المهلكة...(فوبيا) حتى الأجنة في أرحام نسائنا!
أما نحن فإن أردنا, فلا نُصدِّرُ أفكارَنا وحقوقنا, ومظالمنا, إلا بأسوأ مما صدّرنا الإعلام الصهيوني.
أصواتٌ متناحرةٌ على أبواب مسامعهم, وممارسات لا تقل بشاعة عما نشتكي, وتشرذم يُفرِّقُ أيَّ جَمْعٍ نحلم به لنُصرتنا, فتظل جُدراننا أحطُّ من سروج خيْولهم, فيمتطون صهوات دناءاتهم, وأطماعهم, وأحقادهم...! فلا يقيمون لهبائنا وزناً, ولا يُصغون لجعجعاتنا, ولا لهرائنا, ولا تُرهبهم كثرتنا, فما كان لقطيع أن يُرهبَ راعٍ...في حوزته كلب, وعصا, وحمار أجرب...!
هي هي حكامنا...هكذا تعاملوا معنا وهكذا أذعنا لأجيال فكان لا بد من ثمن باهظ لتغيير الجلد وزمرة الدم والجينات.....!
فالذي يخوض صراعاً كالصقر, جناحاه أحدهما رصاص, والآخر كلمة...
وما آن لرصاصنا أن يتحد...
وما آن لكلامنا أن يتعظ...
وها نحن لسنا على قلب واحد في الجهاد, ولسنا على منهج واحد في الإعلام...
الإعلام الذي يبعث في رميم الأمل الحياة...
ينفخ في رماد العزائم لهيب الكفاح...
حتى النصر!
فالإعلام الذي كفّرَ هنا, ألّهه إعلام آخر هناك....وهذا خادم وهذا خادم وكلاهما عبيد..
والإعلام الغبي والعميل على السواء فكلاهما يسبق العدو في أمنياته... تصوروا كلمة(إسرائيل) وعبارة حدود ما قبل الخامس أو العشر من حزيران 1967, ومؤتمر فاس وما أحيط بع من إعلام فاجر عميل, يوم اعترف كل رؤوس العرب بحق (إسرائيل في الوجود.... مقابل لا شيئ بل مقابل كراسيهم وعروشهم وكروشهم وفروجهم!
تصوروا الاعلام كم يفتك بما تبقى من فلسطين ... غزة والضفة مع وضد...
مازالت فينا جاهلية, لا تجمع أكثر من واحد تحت سقفها!
فلا راية فوق راية (الأنا...)
الأنا التي تمزق اللحاف, فوق فراش من جليد...
فيهلك الجميع...ّ
الأنا التي كفرتْ بكل قيم التكامل, والتوازن, والتعاضد, والوحدة...
فكيف نصنع رأياً من بقايا تناقضات, ما قامت الثورة إلا لتطهر البيت من رجسها, وتؤلف معزوفة الوفاق, والتجرد, والإخلاص, والوحدة, على أوتار القلوب فتجمعها كأم راعها خطرٌ عظيم فتكوَّمتْ فوق صغارها درعاً يتلقى ألف ألف خطر, ولا تشم ريحه صغارها...!
إلى متى أيها المجاهدون في أجسادكم, ستظلون تقدسون سايكس بيكو...
إلى متى أيها المجاهدون بأقلامكهم سيظل كل واحد فيكم يمحو ما خطّ على رقاع النضال آخر...
متى يولد فجرُ الوعْي ليريَنا أن سوريا, لها حقُّ الأم علينا...؟!
فهل نحن أبناؤها.. وهل هي أمنا بحق؟!
يقتلني الشَّكُّ, على أعتاب اليقين!
أحمد الشيخ علي.