من هو يوسف.. إخناتون أم إمحوتب؟
ختلف المؤرخون وتعددت الدراسات والأبحاث كالعادة حول شخصية نبي الله يوسف بن يعقوب أو كما يعرف بـ"يوسف الصديق"، والحقبة التي عاصرها في مصر منذ أن وطأت قدماه أرضها وهو غلام صغير وحتى خروج بني يعقوب - الأسباط أخوة يوسف - من مصر وعودتهم إلى فلسطين مرة أخرى عقب وفاته.
عزز هذا الغموض والاختلاف في التأريخ لحياة نبى الله اختفاء القرائن والأدلة التاريخية التي تحدد تفاصيل الفترة الزمنية التي عاشها يوسف في أرض الكنانة، وأعتمد الباحثون المعنيون بدراسة التاريخ القديم في تأريخهم وتحليلهم لعصر "يوسف الصديق " في مصر على أسفار التوراة وآيات القرآن الكريم كأهم المصادر التاريخية، بالإضافة إلى بعض الأحداث التي خلدتها جدران المعابد والبرديات لخلق نوع من التقارب بين المصادر لمعرفة خبايا هذه الفترة المبهمة في تاريخ مصر والعالم القديم.
يرجح فريق من المؤرخين والأثريين أن يوسف عليه السلام هو أمنحوتب أول مهندس عرفته البشرية، كان وزيرًا عاش في عهد الملك زوسر مؤسس الأسرة الثالثة وصاحب أول هرم في التاريخ، نظرًا أن صفات أمحوتب والتي تعنى القادم في سلام، تتطابق وصفات النبى الكريم من ذكاء وتواضع وصدق وإخلاص، وإلمام بكافة أفرع المعرفة، فكان مهندسًا وطبيبًا وشاعرًا وعالمًا في حركة الكواكب والنجوم.
يوسف وزيرا لزوسر
كما يعتمد الباحثون لهذا التصور على أن هناك مجاعة كبرى سجلتها البرديات الفرعونية، حلت بمصر وفلسطين وبلاد الشام في عصر الملك زوسر، وهذا ما يتفق ورؤية يوسف التي ذكرها القرآن الكريم، كما ربط هؤلاء الباحثون بين اللغط الدائر حول جثة سيدنا يوسف حتى الآن وبين اختفاء جثة "أمحوتب" صاحب فكرة تخطيط هرم زوسر المدرج.
وهو الأمر الذي يتفق مع رأي الأثرى الكبير الدكتور زاهى حواس، في أحد مقالاته عن حياة نبى الله يوسف في مصر، إذ يؤكد أن الأدلة التاريخية تشير إلى أن لقب " ملك" أو " نيسو " باللغة المصرية القديمة، كان يطلق على الحكام المصريين حتى بداية عصر الدولة الحديثة وتحديدًا أخناتون - أول ملك أطلق عليه "فرعون" أو "برعو" أي ساكن القصر العظيم-،لافتا إلى أن هذا لا يتعارض مع النص القرآنى الذي ذكر لقب " ملك " وليس "فرعون " كما هو الحال في قصة سيدنا موسى في القرآن الكريم.
وأوضح «حواس» أن فترة الدولة القديمة ضربها عدد من المجاعات التي وصلت إلى فلسطين والشام في آسيا، فضلا أن جدران المعابد سجلت السبع بقرات، في رمزية إلى تأويل سيدنا يوسف لحلم عزيز مصر، مضيفًا أن الأدلة الأثرية، أشارت إلى أكثر من مجاعة ضربت مصر في عصورها القديمة والوسطى، وكذلك بلاد الشام وفلسطين، وأحيانًا كان الجفاف يعم منطقة الشرق الأوسط كله، وكان بدو هذه المناطق يأتون إلى مصر ليأخذوا من الحبوب التي اختزنها يوسف لمثل هذه الأيام الصعبة.
يوسف وإخناتون
حاول عدد كبير من الباحثين الأجانب والمستشرقين في دراستهم لحياة النبى الكريم في مصر، التقارب بينه وبين " أمنحتب الرابع " أو " أخناتون " كما أطلق على نفسه، كونه أول ملك نادي بالتوحيد في مصر، وأتخذ من تل العمارنة عاصمة جديدة له بعيدًا عن طيبة " الأقصر" مركز عبادة الآله "آمون رع" إله الشمس.
فيما يتجه فريق آخر إلى أن يوسف عليه السلام، ليس أخناتون وإنما عاش في عصره، إلى أن بلغ 111 عاما، وأنه أتى إلى مصر في سن السابعه عشرة من عمره ضمن بعض الغلمان الذين بيعوا كرقيق لقصر الملك أنذاك وكان من المقربين له.
وتشير الدراسات التاريخية إلى أن مصر تعرضت في عهد أخناتون لمجاعتين في عامين متتاليين، أمتدت إلى فلسطين وبلاد الشام، وأن يعقوب عليه السلام، انتقل إلى مصر عندما بلغ يوسف من العمر الخامسة والخمسين، وأن " الصديق توفى في مصر ودفن فيها، إلا أنه أوصى إخوته قبل وفاته أن ينقلوا رفاته إلى أرض كنعان – فلسطين حاليًا -.
وهو الرأي الذي يختلف معه الدكتور رمضان عبده أستاذ التاريخ القديم بجامعة عين شمس، في دراسة له حول الفترة التي عاصرها نبى الله يوسف، باعتبار أن القرآن الكريم لقب الحاكم الذي عاصره يوسف عليه السلام بالملك، وأن هذا اللقب لم يعرف في مصر قبل عهد " تحتمس الثالث " وكان أخناتون أول من لقُب بـ "فرعون".
يأتي رفض بعض الباحثين المسلمين لهذا الاتجاه نظرًا إلى أن ملامح وجه أخناتون التي جسدتها التماثيل الفرعونية تؤكد أنه لم يكن على قدر كبير من الوسامة والجمال، وهو ما يتناقض تمامًا مع قصة سيدنا يوسف، والوصف القرآنى له ولجماله الذي فتن امرأة العزيز وراودته عن نفسه ومن بعدها الأميرات المصريات.
يوسف والهكسوس
رجح أغلب المؤرخين العرب، أن العصر الذي عاش فيه سيدنا يوسف كان في عصر الملوك الرعاة الآسيويين " الهكسوس "، إذ يقول الدكتور إبراهيم مهران أستاذ التاريخ القديم بجامعة عين شمس، إن التوراة ذكرت في سفر التكوين أن يوسف عليه السلام كان يركب في العربة الثانية مع الملك، في إشارة إلى أن المصريين لم يعرفوا العربات كوسيلة نقل قبل عصر الملوك الرعاة وهم أول من أدخلوا عربات الحرب السريعة إلى مصر، لافتا إلى أن النقوش التاريخية على جدران المعابد لم تؤرخ لهذه العربات قبل عصر الهكسوس.
يعتمد "مهران" في دراسته أيضا على أن التقاليد الملكية المصرية القديمه كانت لاتسمح للأشخاص الأجانب بتقلد المناصب العليا والرفيعة في الدولة ولا يمكن أن يصلوا لمرتبة الوزراء، وإنما اقتصرت مهامهم على الرعى وتربية الأغنام كونهم من سكان الرمال كما ذكرت البرديات المصرية.
وذكر الباحث أن انحدار الهكسوس من أصول سامية شمالية آسيوية، فهم أقرباء للعبرانيين، أتاح ليوسف الفرصة للوصول إلى أعلى المناصب في الدولة، والترحيب ببنى يعقوب بعدئذ.
طمس آثار يوسف
ويفسر عدد من الباحثين فقر التاريخ المصرى بالقرائن التاريخية التي تسجل الفترة التي عاصرها يوسف، إلى أنه عاش في عهد الملوك الرعاة – الهكسوس- الذي كان يمتاز بالغموض، فضلًا عن أن المصريين أمتنعوا عن تسجيل أي ذكرى لهذه العصور البغيضة باعتبار الهكسوس غزاة ومحتلين للأراضى المصرية وبخاصة الجزء الشمالى لها – مصر السفلى –.
يقول الدكتور عطية القوصي، أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة القاهرة في إحدى دراساته، إنه من الراجح أن سيدنا يوسف عاش في عهد الملوك الرعاة من الهكسوس، وبعد أن تحررت مصر على يد أحمس الأول، قام ملك مصري جديد على عرش مصر لم يكن يعرف يوسف، كما جاء في سفر الخروج 1:8، استبعدوا بيى إسرائيل بعنف وهم أبناء وأحفاد يوسف إخوته في مصر، ودمروا كل ما لديهم من بيوت وعمائر، وهو سبب رئيسي في عدم العثور على أي أثر يذكر اسم يوسف أو أحد من إخوته؛ نظرًا إلى أن المصريين الذين جاءوا بعد يوسف لم يكونوا يعرفون فضله في إنقاذ البلاد من المجاعة، وإنما اعتبروه واحدا من أعوان الملوك الرعاة الذين اغتصبوا عرش البلاد نحو 4 قرون من الزمان.