حيث كان يبدوا لي أنا ووالدي أن " النهاية قد حانت "
من جراء قوة ضغط هاذين الجبلان القوي في طحن
ودكدكت بعضهما البعض .. وبعد ساعات وجيزة توقف
الضغط بين الجبلان .. وفرحنا فرحا شديدا .. حيث تقسمت القتلة الثلجية الكبيرة إلى
كتل مقسمة وجرت بالماء ببطء ..
ومن حسن حضنا لاحظنا قناة مائية مفتوحة أمنة ..
وينبغي لنا انتهاز الفرصة الإسراع في العبور فيها ..
قبل أن تصطك الجبال فيما بينها مرهً أخرى ..
فأن حدث ذالك سوف نسحق نحن ومركبنا ونتحول إلى العدم ..
وتبعا لذالك رفعنا أشرعة السفينة جاهدين لتقلنا
ريحا طيبة لنبحر عبر هذا المضيق المائي ..
.. (( الجزء الخامس : الخروج من بين حزم الجليد )) ..
وقد قطعنا " 45 يوما " حيث أخذنا نتسلل ونعبر قنوات وأحزمة الجبال الجليدية ..
وقد هدئت الرياح الجنوبية القوية .. ففي الصباح قال لي والدي : " بُني .
أعتقد أنني أرى تقريبا جبال جليدية أمامنا بمياه البحر الممتدة " ..
وقد كانت هنالك فعلا جبال جليدية قليلة من ناحية الشمال البعيد على مد مياه
البحر ممتدة بعيدا لعدة أميال .. وقد لاحظت " البوصلة المغناطيسية "
حيث استقامت إبرتها ولم تعد تتأرجح حيث أصبحت تشير إلى الشمال القطبي ..
حيث كان يمتد البحر .. مما يؤكد خروجنا لعالم سطح الأرض الخارجي
فقال والدي : "انا ما حدث لنا لشيءً عجيب يجب أن يعرفه جميع الناس
في أستوكهولم" ، وتابع والدي ، ونضرات الطمأنينة والغبطة الصادقة تضيء
وجهه وهو ينظر!"في شذرات الذهب في عقد بعيدا من التفكير !"
حيث قلت وتكلمت بالكلمات رقيقة بمدح والدي وليس فقط على هذا الثبات
والتحمل ولأكن لجراءته وبسالته في اكتشاف المجهول وعلى جعل رحلتنا
حتى الآن أمنه من الذهاب لعالم مجهول والإياب إلى أوطاننا مرة أخرى ..
حيث كنت ممتنا له .. وأيضا أنه جمع ثروة من الذهب سوف نحملها للوطن ..
بينما كنا نهنئ أنفسنا على رجوعنا سالمين وأكتشافنا لهذه الأراضي العظيمة
وعلى بلوغنا المخاطر التي قد نجينا منها .. أندهشنا من سماع أنفجار قوي
جدا صم الآذان أقوى من أطلاق نار ألف مدفع .. بسبب أنهيار أحدى الجبال
الجليدية الضخمة حيث صدر منها هديرا يصم الآذان .. وقت كنا في هذا الوقت
نبحر بسرعة كبيرة بالقرب من هذا الجبل الخطير الذي يبدوا لنا غير عائم
وكذالك كناب بقرب جزيرة محاطة بالصخور المدببة والمسننة ويبدوا لي
أن جبل الجليد قد أنقسم وتفكك عندما اقتربنا منه حيث غمس قاربنا في عمق البحر ..
وقد توقع والدي الخطر من هذه المصيبة النكراء ..
فقد غاص قاربنا في عمق البحر لأعماق سحيقة ومن ثم خرج قاربنا من
أعماق الماء ورمي به في الهواء كما لو كان كرة قدم من
جراء الضغط القوي .. لقد كان هذا فاجعة عظيمة ..
ومن ثم سقط قاربنا في عض البحر وكان والدي لا يزال في القارب بعدما تشبث
جيدا به بينما قد ألقيت من ظهر القارب نحو عشرين مترا .. وأنا اندفعت بسرعة
إلى الأمام .. وصاح والدي وقال : " كل شيء على ما يرام "
ثم بزغ على عاتقي رعب شديد .. حيث ملئت رعبا على رعبا ..
وجمد الدم في عروقي .. من هول سيحدث بالجبل ..
حيث انهارت مائة الكتل الجليدية العملاقة التي تستطيع أن تغمرنا مرهً ثانية
في عمق البحر.. لقد أدركت تماما أن الأمواج سوف تهيج وتموج علينا من
كل حدب وصوب .. وسون تدمر وتهلك ما يقلى أمامها حيال ثورة هذه
الجبال الجليدية وتدكدكها كما الذئاب البيضاء
ذات المخالب التي تتوق إلى فريسته الإنسان ..
في هذه اللحظة الكئيبة من الألم النفسي : أتذكر نظرة عابرة لزورقنا الذي
كان مقلوبا على جنبة .. وأتساءل هي يمكن أن ينجو أبي وأن يهرب ..؟؟
هل كانت هذه الفاجعة هي نهاية نضالنا ومغامراتنا لاستكشاف ما جُهل عنا ..؟؟
وهل هذا هوا الموت الأليم وهل سأموت هنا .. ؟؟
لقد دارت كل هذه الأسئلة في رأسي في جزء قليل من الثانية ..
وبعد لحظة تدكدك الجبل وأخذت أصارع الموت والمياة المتجمدة تنغمر وتغرقني
في غضب عظيم .. لقد أيقنت بالهلاك .. وقد غرقت تحت سطح كتل
جليدية متراصة ثقيلة كنت في وسط المياه والمياه تتدفق
من حولي من كل جانب وبعد لحظة واحدة فقدت وعيي ..
. وحينما بت استعيد قواي وفقت من إغمائي ..
راءيت جسدي نصفه في الماء متجمد ونصفه على
الجليد بينما لم يكن هنالك أي أثر لأبي ولا للسفينة التي بلعهما
أمواج هذه الجبل الملعون فأبي توفي وغاص في قعر المحيط لقد أحببت أبي ..
وأصبت في ذاك الوقت
بشيء من الجنون.. من هول صدمة موته وأحتججت على
موته وكنت حزينا لفقده وقلت لماذا لم أقبر معه في قعر المحيط .. ؟؟
كنت أنظر إلى قبة السماء التي فوقنا وأنضر إلى الأسفل
نحو أعماق البحر الأخضر .. وأنضر الى أحزمة الجبال الجليدية
الممتدة بالمحيط .. وأقول أين النجاة .. ؟؟
لقد يئست من الحياة أو أني سوف أنجو من الموت
في وسط هاذه الجبال الجليدية .. ؟؟
فقمت وبزغا لي الأمل وأعتقدت أن أبي لا يزال على
قيد الحياة .. وأن سفينتنا لا تزال صالحة ولم تتحطم ..
فلقد قمت وتسلقت هذه الهضبة الثلجية بحذر ..
متجها نحو الجهة الأخرى منها .. على أمل أن
أجد أبي والسفينة ..؟؟ لقد كان هنالك بصيص
أمل في قلبي على أن أجد أبي ..؟؟
حيث أخذ دمي يتحرك ويجري في عروقي كما لو كانت
منشطات نادرة انبعثت من ألياف جسدي .. تسللت على
مقربة من الجانب الحاد من هذه الهضبة الثلجية
على أمل أن أجد شيئا .. ثم درت حول هذه الهضبة الثلجية
العائمة بالماء من جميع الجهات ولم أجد شيئا ..
وكنت أفكر وأقول هل سأموت ..؟؟ هل هاذه نهايتي ؟؟
هل هاذة نهاية كفاحي..؟؟ مرت على هاذة الأسئلة في
ثانية واحدة ..؟؟ لقد غرق قلبي في يئسً ميؤساً منه ..
وأخذت أتساءل وأقول : أوه يا للهول ..!!
هل سأبقى على هذا الجبل الجليدي في عرض
هذا المحيط دون طعام أو ماء ..؟؟ وأموت من
الجوع والبرد ..؟؟ لقد غرق قلبي في داخلي
وجميع مظاهر الأمل قد تلاشت ..
فنظرت في الأفق البعيد .. وقد كان جزء من دماغي مهووسا
بما أصابني .. وجزء أخر متيقظ وواعي ومدرك لما يرى ..
حيث درت حول هذه الهضبة عشرات المرات ..
فلقد كدت فقد الأمل بالنجاة أو الحياة لقد فقدت الأمل في
أن أعيش .. ثم فجأة لمحت أنحراف شيئا ساحرا
غريبا في الأفق مما تراءى لي وجود سفينة صيد للحيتان على مقربة مني ..
لقد كدت أن أطير من الفرح .. فأخذت أتسائل عن
والدي هل هوا على قيد الحياة .. وحين ذالك أدرك أن
الوقت يداهمني فأخذت ألوح بيدي وبدأت أصيح ..
وفجأة كسر سكون الصوت الذي يحيط بي بإطلاق
نيران البندقية للإشارة .. فنظرت في ذهول ودهشة بعدما
راءيت السفينة تبعد أقل من " نصف ميل " متجهتا سفينة
"صيد الحيتان " نحوي ..
حيث أنه أنتبهوا لنشاطي المستمر على فيض جذب انتباههم ..
فأبحروا حتى شارفوا قرب الهضبة .. وأنزلوا قارب أنقاذ بحذر إلى حافة الماء ..
وبعد قليل رفعت على متن سفينة "صيد الحيتان"
حيث قابلني قبطانها " أنجوس ماكفيرسون
" وقال أنهم قدموا من مدينة " أرلينقتون "
(Arlington) الأمريكية .. حيث قدموا لها من مدينة " دندي "
(Dundee) الاسكتلندية في " أيلول / سبتمير "
متجهين على الفور منها نحو "محيط القطب الجنوبي" لصيد الحيتان ..
لقد وجدت أن قبطان السفينة " أنجوس ماكفيرسون " له قبضته من حديد
في مسائل الانضباط حيث بدأت أذكر للكابن وزميلة وأحاول أن أقول له أنني
قد أتيت من داخل الأرض من العالم الداخلي .. وكلا منهم هز رؤوسهم
وينضرون لبعضهم البعض .. ومن ثم ألقوا بي فوق سرير
بغرفة خاصة .. تحت مراقبة صارمة من طبيب السفينة ..
كنت ضعيفا جدا لعدم أطعامي للطعام وكنت لا أنام لساعات طويلة ..
ومع ذالك بعد أن ارتحت لعدة أيام .. استيقظت ذات صباح وخرجت دون
أن أخذ الأذن من الطبيب أو أي شخص أخر .. وقلت لهم أنني إنسان عاقل ولست مجنونا ..
وأرسل الكابتن يدعوني وقال لي سائلا بعدة أسئلة : كمن أين أتيت ..؟؟
وكيف جئت الى هذا المكان لتكون وحدك على جبل جليدي في منطقة محيط القطب الجنوبي ..؟؟
فأجبته بأنني قد خرجت من العالم الداخلي للأرض للتو وشرعت لأقول
وأسرد له ذهابنا أنا ووالدي من طريق "سبيتزبرغن " من ناحية
القطب الشمالي وقد خرجنا من ناحية القطب الجنوبي ..؟؟؟
وعند ذالك وضعوني وكبلوني بالحديد وسمعت القبطان وهو يقول أنني
مجنون ويجب أن أظل في الحبس حتى أكون أكثر عقلانية بما في الكفاية ..
وتكون صادقا مع نفسك .. وتخبرنا من أين أتيت ..
بعد وعودي الكثيرة بالأعتراف من أين أتت .. أطلق سراحي من الحديد أخيرا ..
بعدما قررت أن أخترع قصة مرضية ترضي فضول القبطان وعدم ذكر ما حدث
لي مما شاهدته من العالم الداخلي الواقعي .. لأتخلص من السجن
الرهيب ومكابل الحديد .. وأمن على نفسي منهم ..
وبعد أسبوعين سمح لي قبطان السفينة باتخاذ مكاني باعتباري واحدا من البحارة ..
وبعد وقت من الزمن طلب مني الكابتن تفسيرا عما حدث لي من تجربتي .. فقلت له :
"لقد كانت تجربتي رهيبة وعظيمة لدرجة أنني خائف أن أتذكرها " ومن ثم توسلت إلية
أن يسمح لي بعدم الجواب عن السؤال وتأجيل الإجابة فيما بعد..
فقال : " أعتقد أنك قد تعافيت بشكل كبير " وقال : ولأكنك لا تعقل حتى الآن
من التوصل إلى أتفاق جيد لدفع أجرة حملك بالسفينة " فقلت له :
أسمح لي أن أعمل في هذا العمل الذي قد عينتني فيه لأدفع أجرة حملي معكم
" فقلت : " وإذا هذا العمل لا يكفي .. سوف أدفع لك مباشرتا بعد
وصولي إلى " استوكهولم " وهكذا توضع هذه المسألة..
وبعد غيابي وتغربي عن وطني " أربع سنوات وثمانية أشهر " وصلت " أستوكهولم "
.. فوجدت أمي قد لقت حتفها "وماتت" في العام السابق .. والأملاك التي تركها والدي
أصبحت بحوزة زوج أمي .. ولم يعطني شيئا واحدا لي منها ..
فربما كادت كل هذه المصائب والوقائع أن تمحي من ذاكرتي ما جراء لي من
الأحداث التي لاقيتها بالعالم الداخلي .. وكانت أكبر مصيبة لي هيا موت
" أبي " أمام عيني وغرقه في قاع البحر .. دون أن أستطيع إنقاذه أو انتشاله..
وبعد كل هذا قررت أخيرا أن أذكر كامل قصتي وما حدث لي مع أبي .. للعم :
"غوستاف أوسترلند" .. (Gustaf Osterlind ) .. وهوا رجل كبير تاجر
صاحب أملاك .. لأحثه ليمول لي لرحلة استكشافية أخرى لهذه الأرض الغريبة المجهولة ..
ففي البداية بدا العم : "غوستاف أوسترلند" مهتما لما أقوله ومنجذبا إلى
اقتراحي وما تفضلت به علية .. وقد دعاني للذهاب والإقبال على بعض المسئولين
لأشرح وأبين لهم ما حدث لي من ذالك .. كما شرحت له ..
وبعد أنتهى سردي لهم "فتخيل خيبة أملي ومعاناتي" ..
فلقد تم التوقيع على أوراق معينه من قبل العم .. ودون سابق أنذار وجدت
نفسي مرميا بالسجن .. بحبس كئيب ومخيف لمدة 28 سنة في
هذا السجن من سنوات شاقة طويلة ومعاناة مؤلمه مريرة ..
وبعد التأكد من سلامة قواي العقلية ..
وأحتجاجي على ظلمي وحبسي ونسياني .
. أخرجوني من الحبس أخيرا : في " السابع عشر من تشرين الأول / أكتوبر بعام 1862 "
وأصبحت غريبا بعدما بلغت من سني أكثر من خمسين سنة .. وكان سجلي الذي
يعرفه ورسخ في أذهان الناس عني .. أنني رجل مجنون ليس لدي أصدقاء ..
فحينما خرجت من الحبس مع المجرمين والمجانين ..
بعد التأكد من أن قواي العقلية سليمة ..
كنت في حيرة من أمري لمعرفة ما الذي ينبغي لي عملة من أجل كسب لقمة عيشي وقوتي ..
فتوجهت غريزيا نحو الميناء حيث ترسوا قوارب الصيد في أعداد كبيرة لأبحث
عن عملً لي .. وبعد أسبوع تعرفت على صياد أسمة "يان هانسن "
الذي كان يعمل في رحلة صيد طويلة على جزر لوفودين (Lofoden ) ..
وقد أثبت جدارتي وخبرتي في الصيد واستفدت من خبراتي القديمة للصيد
لأثبت جدارتي وأجعل نفسي رجلا مفيدا بالصيد أمامه .. وقد كان هذا ..
فأقتصدت ما أجني وأربحه .. وفي غضون سنوات قليلة أصبحت عميد صيد ..
بعدما عملت خمس سنوات للأخريين وشاركت 22 رجل ..
وخلال كل هذا السنوات كنت طالبا مجتهدا في قراءة الكتب
وخلال هذه السنوات من المعاناة والآلام علمتني أن لا اذكر
قصتي وما حدث معي ومع والدي لأحد ..
حتى أنني أخشى أن يكتشف أحد ما أكتبه وأخفي وأحفظ
سجلاتي وتقاريري وخرائطي هذه خشيتا
من أن يعرف أي مرء ما حدث معي .. فكل هذه المصائب
والكروب والآلام والمعاناة لتبرر عدم كشفي
لقصتي وما قلته لكم .. وأرجوا أن تكشف هذه الحقيقة
بأخر يوم من أيامي على وجهه الأرض ..
لعدم تعرضي من المزيد من المعاناة والآلام ..
وسأترك السجلات والخرائط التقارير هذه " لتنير الطريق "
وأمل أن " تستفيد منها البشرية " ..
فأن ذكرى حبسي الطويل مع المجرمين والمجانيين والأحداث
الأخرى التي عانيت منها .. علمتني أن لا اذكر قصتي لأحد ..
ففي عام 1889 بعت الكثير من قوارب الصيد وقد تراكمت
عندي ثروة كافية لا بأس بها تكفي لما تبقى
لي من حياتي ثم هاجرت إلى أمريكا ..
وبقيت بها لأثنى عشر عاما .. وكان بيتي في ولاية
إيلينوي (Illinois) الأمريكية .. بالقرب من باتافيا (Batavia) ..
وقد كونت مكتبةً خاصة لي هناك وجمعت
فيها معظم كتبي .. وبعد ذالك قررت أن أنتقل من ولاية
إيلينوي (Illinois) إلى ولاية " لوس أنجلس "
حيث استقريت في "لوس أنجلس" بتاريخ " 4 مارس / 1901 "
وأني أتذكر هذا التاريخ جيدا .. وهوا في نفس يوم تنصيب
الرئيس ماكينلي لرئاسته الثانية .. وقد اشتريت هذا المنزل
المتواضع لعزمي على الاستقرار في هذه البلد لأتفرغ لكتابه
ما حدث لي وتبيين قصتي الواقعية بالتفصيل والدليل وكتابه
قصتي كاملا ..منذ أن غادرنا أنا ووالدي من أستوكهولم إلى
أن افترقت عنه بحدث غرق أبي المأساوي العظيم
الذي حدث بالمحيط المتجمد الجنوبي